فصل: خاتمة البحث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذهب أبو حنيفة إلى أنّ الرجل إذا أكره على الزنى فإنه يحد إلا إذا أكرهه سلطان وأما المرأة فلا حدّ عليها، وحجّتُه في ذلك أنّ الإكراه ينافي الرضى، وما وقع عن طوع ورضى فغير مكره عليه. ومعلوم أن حال الإكراه هي حال خوف وتلفٍ على النفس، والانتشارُ والشهوةُ ينافيهما الخوفُ والوجل. فلمّا وجد منه الانتشار والشهوة في هذه الحال عُلِمَ أنه فعله غير مكره لأنه لو كان مكرهًا خائفًا لما كان منه انتشار ولا غلبته الشهوة وفي ذلك دليل على أن فعله ذلك لم يقع على وجه الإكراه فوجب الحد.
طريقة الزنى في الجاهلية:
والبغاء الذي كان منتشرًا في الجاهلية كان على نوعين:
الأول: البغاء في صورة النكاح.
الثاني: البغاء العام في الإماء والحرائر.
أما الأول: فكانت تحترفه بعض الإماء اللواتي لم يكن لهن من يكفلهن، أو الحرائر اللواتي لم يكن لهن بيت أو أسرة تضمهن، فكانت إحداهن تجلس في بيت، وتتفق في آن واحد مع عدة رجال، على أن ينفقوا عليها ويقوموا أمرها ويقضوا منها حاجتهم. فإذا حملت ووضعت أرسل إليهم حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد وَلَدْتُ وهو ابنُك يا فلان، فتسمي من أحبّت باسمه، فيلتحق نسبه به.
فهذا نوع من البغاء كان يتناكح به أهل الجاهلية وهو البغاء في صورة النكاح.
وأما البغاء العام: فكان معظمه بواسطة الإماء وربما وقع من بعض الحرائر أيضًا وهو أيضًا على وجهين:
الأول: أن بعض السادة كانوا يفرضون على إمائهم مبلغًا كبيرًا من المال يتقاضونه منهن في كل شهر، فكنّ يكسبْن بالفجور، لأنه لا يمكنهن أن يدفعن ما فرضه عليهن سادتهن بحرفة طاهرة فكنَّ يحترفن البغاء.
والوجه الثاني: أنّ بعض العرب كانوا يُجْلسون الفتيات الشابات من إمائهن في الغرفات، وينصبون على أبوابهم رايات، تكون علمًا لمن أراد أن يقضي منهن حاجته، وكانت بيوتهن تسمى المواخير وكانوا يستدرُّون من ورائهن المال فإذا أبت إحداهن أو تعففت عن ممارسة هذه الرذيلة ضربها سيدها وأكرهها على مزاولة الحرفة حتى لا ينقطع عنه ذلك المورد الخبيث الذي كان يُكْسبه المال الوفير.
وهذا عبد الله بن أبيّ رأس النفاق كان له ست إماء شابات جميلات يكرههن على البغاء، طلبًا لكسبهن، وفيه نزلت الآيات الكريمة المتقدمة.
أقول: ما أشبه جاهلية القرن العشرين في زماننا بتلك الجاهلية الأولى حيث تنظّم بيوت الدعارة تحت حماية القانون، وتحميها الشرطة ويقصدها الراغبون بأجرٍ معلوم، وليس فيها ما يختلف عن الأولى إلا أنها أشنع وأفظع لأنها في الحرائر وبشكل فاضح مكشوف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما ظهرت الفاحشة في قوم فعملوا بها إلاّ أصيبوا بالأمراض والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم!!» وهذا من أعلام النبوّة.
وإنّا لله وإنَّا إليه راجعون.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
شرع الله الزواج لحكم سامية، وغايات نبيلة، وفوائد جليلة. وأمر بتيسير أسبابه لأنه هو الطريق السليم للتناسل. وعمران الأرض بالذرية الصالحة. ولم يشأ الله تبارك وتعالى أن يترك الإنسان كغيره من المخلوقات. فيدع غرائز تنطلق دون وعي. ويترك الاتصال بين الذكر والأنثى فوضى، لا ضابط له كما هو الحال عند الحيوان. بل وضع النظام الملائم الذي يحفظ للإنسان كرامته، ويصون له شرفه. فجعل اتصال الرجل بالمرأة اتصالًا نظيفًا طاهرًا قائمًا على أساس التراضي والتفاهم. وبهذا وضع للغريزة طريقها المأمون، وحمى النسل من الضياع، وصان المرأة أن تكون دُمْيةً بين أيدي العابثين أو كلًا مباحًا لكل راتع.
والغريزة الجنسية من أقوى الغرائز وأعنفها فما لم يكن لها متنفّس عن طريق نظيف شريف تمردت وطغت. ونزعت بالإنسان إلى شر منزع، والزواجُ هو أحسن وضع طبيعي لها. وأسلم طريقة لإرواء الغريزة وإشباعها ليهدأ البدن من الاضطراب. وتسكن النفس عن الصراع. ويكف النظر عن التطلع إلى الحرام. وتطمئن العاطفة إلى ما أحل الله لها وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
والزواجُ أحسنُ وسيلة لإنجاب الأولاد. وتكثير النل. واستمرار الحياة، مع المحافظة على الأنساب التي يوليها الإسلام عناية فائقةً. وقد خصّ الإسلام عليه ورغّب فيه. بطرق شتى. وصور عديدة. وعدّه الرسول صلى الله عليه وسلم خير متاعٍ في هذه الحياة فقال صلوات الله عليه «الدنيا متاعٌ وخيرُ متاعها المرأةُ الصالحة» بل عدّه خيرَ كنزٍ يكنزه الإنسان في حياته فقال عليه الصلاة والسلام: «ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله».
وقد أمر الإسلامُ بتيسير أسباب الزواج، وتسهيل طرقه، لتجري الحياة على طبيعتها وبساطتها، وأمر بإزالة جميع العقبات من وجهه، والعقبةُ المالية هي العقبة الأولى في طريق بناء البيوت، وتحصين النفوس، لذلك نبه الباري جلّ وعلا إلى أنه لا يجوز أن يكون الفقر عائقًا عن التزويج، فالرزق بيد الله، وقد تكفّل بإغنائهم إن هم اختاروا طريق العفة النظيف، فيجب على الأمة أن تعينهم على الزواج، وأن تهيئ لهم أسبابه، وتبذل كل ما لديها من جهودٍ حتى لا يبقى في المجتمع عضو أشل، أو عضو غير نافع.
وإلى أن تتهيأ للشباب فرصة الزواج، جاء الأمر الإلهي لهم بالاستعفاف عن الحرام حتى يغنيهم الله من فضله {وَلْيَسْتَعْفِفِ الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ}.
ومن الكذب والزور ما يقوله بعض أدعياء العلم اليوم من أن الكَبْتَ والحرمان يولِّدان عن الإنسان عُقدًا نفسية وأضرارًا جسمية، وأنّ عليه أن يخفف طغيان الغريزة بالاتصال الجنسي ولو عن طريق البغاء.
إنهم يجعلون الزنى ضرورة اجتماعية لاتقاء الأمراض الجسدية والتخلص من أضرار الكبت والحرمان ويزعمون أنّ هذا هو الطريق السليم، لمعالجة طغيان الغريزة، وحماية الإنسان من العقد النفسية، التي قد تؤدي به إلى الجنون.
والمتحلِّلون وعلى رأسهم الإباحي فرويد يرون أن خير علاج هو إباحة الزنى وأنّ فيه حماية للفرد والمجتمع من مخاطر الجنس، وهم يستقون نظرياتهم التربوية فيما يزعمون من علم النفس ويقولون: يجب أن يعيش الإنسان حرًا مطلقًا من كل قيد وشرط، حتى لا يتعقد ولا تنتابه الهواجس والأمراض النفسية.
إنهم يقيسون الإنسان على الحيوان الذي نعيش طليقًا بدون قيود ولا حدود، يأتي شهوته متى شاء، وينال غريزته بأي طريق أحب، وما دروا أن بين الإنسان والحيوان فرقًا كبيرًا وبونًا شاسعًا، فالحيوان تسيطر عليه شهوته وتتحكم فيه غريزته، بينما الإنسان يتحكم فيه عقله ويضبطه إدراكه وإحساسه، ولولا العقل في الإنسان لكان الحيوان خيرًا منه وأفضل.
يقول شهيد الإسلام سيد قطب عليه رحمة الله ورضوانه في تفسيره الظلال ما نصه: وهذا النهي عن إكراه الفتيات على البغاء- وهنّ يردن الغفة- ابتغاء المال الرخيص، كان جزءًا من خطة القرآن في تطهير البيئة الإسلامية، وإغلاق السبل القذرة للتصريف الجنسي، ذلك أنّ وجود البغاء يُغري الكثيرين لسهولته ولو لم يجدوه لانصرفوا إلى طلب هذه المتعة في محلها الكريم النظيف.
ولا عبرة بما يقال: من أنّ البغاء صمام أمن يحمي البيوت الشريفة لأنه لا سبيل لمواجهة الحاجة الفطرية إلا بهذا العلاج القذر عند تعذر الزواج، أو تهجم الذئاب المسعورة على الأعراض إن لم تجد هذا الكلأ المباح.
إن في التفكير على هذا النحو قلبًا للأسباب، فالميلُ الجنسي يجبُ أن يظلّ نظيفًا، بريئًا موجهًا إلى إمداد الحياة بالأجيال الجديدة، وعلى الجماعات أن تصلح نظمها الاقتصادية بحيث يكون كل فرد فيها في مستوى يسمح له بالحياة المعقولة وبالزواج، فإن وجدت بعد ذلك حالات شاذة عولجت هذه الحالات علاجًا خاصًا، وبذلك لا يحتاج إلى البغاء وإلى إقامة مقاذر إنسانية يمرّ بها كل من يريد أن يتخفف من أعباء الجنس فيلقي فيها بالفضلات تحت سمع الجماعة وبصرها.
إنّ النظم الاقتصادية هي التي يجب أن تُعالج بحيث لا تُخْرِجُ مثلَ هذا النتن. ولا يكون فسادها حجةًعلى ضرورة وجود المقاذر العامة في صور آدمية ذليلة وهذا يصنعه الإسلام بنظامه المتكامل، النظيف، العفيف، الذي يصل الأرض بالسماء ويرفع البشرية إلى الأفق المشرق الوضيء المستمد من نور الله. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان}.
يعني: لا تتبعوا تزيين الشيطان ووساوسه بقذف المؤمنين والمؤمنات، {وَمَن يَتَّبِعْ خطوات الشيطان}.
وفي الآية مضمر، ومعناه ومن يتبع خطوات الشيطان، وقع في الفحشاء والمنكر.
{فَإِنَّهُ} يعني: به الشيطان {يَأْمُرُ بالفحشاء} يعني: المعاصي {والمنكر} ما لا يعرف في شريعة ولا سنة.
وروي عن أبي مجلز قال: {خطوات الشيطان} النذور في معصية الله تعالى فيه.
قال: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم} يعني: ما ظهر وما صلح منكم {مّنْ أَحَدٍ أَبَدًا} يعني: أحدًا ومن صلة.
{ولكن الله يُزَكّى} يعني: يوفق للتوحيد {مَن يَشَاء} ويقال: ما زكى، أي ما وحد ولكن الله يزكي أي يطهر.
{والله سَمِيعٌ} لِمَقالتهم، {عَلِيمٌ} بهم.
ثم قال عز وجل: {وَلاَ يَأْتَلِ} يعني: لا يحلف وهو يفتعل من الألية وهي اليمين.
قرأ أبو جعفر المدني، وزيد بن أسلم {وَلاَ} على معنى يتفعل، ويقال: معناه ولا يدع أن ينفق ويتصدق، وهو يتفعل من ألوت أني أصنع كذا؛ ويقال: ما ألوت جهدي، أي ما تركت طاقتي؛ وذلك أن أبا بكر كان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره، فلما تكلم بما تكلم به، حلف أبو بكر رضي الله عنه أن لا ينفق عليه، فنزلت هذه الآية: {عَلِيمٌ وَلاَ يَأْتَلِ}.
{أُوْلُو الفضل مِنكُمْ} في طاعة الله، لأنه كان أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{مِنكُمْ والسعة} يعني السعة في المال.
وهذا من مناقب أبي بكر رضي الله عنه حيث سماه الله {أُوْلُو الفضل} في الإسلام؛ ويقال: {وَلاَ يَأْتَلِ} يعني: ولا يحلف {أُوْلُو الفضل مِنكُمْ} يعني: أولو الغنى والسعة في المال، والأول أشبه لكي لا يكون حمل الكلام على التكرار.
{أَن يُؤْتُواْ} أولي القربى، يعني: لا يحلف أن لا يعطي ولا ينفق على {أُوْلِى القربى} يعني: على ذوي القربى وهو مسطح {والمساكين والمهاجرين في سَبِيلِ الله} وكان مسطح من فقراء المهاجرين ومن أقرباء أبي بكر.
{وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ} يقول: ليتركوا وليتجاوزوا.
{أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} فقال أبو بكر: أنا أحب أن يغفر الله لي، فقد تجاوزت عن قرابتي، ويقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: «أَلاَ تُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكَ» قال: نعم.
فقرأ عليه هذه الآية، وأمره بأن ينفق على مسطح.
وفي الآية دليل على أن من حلف على أمر، فرأى الحنث أفضل منه، فله أن يحنث ويكفر عن يمينه، ويكون له ثلاثة أجور: أحدها ائتماره بأمر الله تعالى، والثاني أجر بره وذلك صلته في قرابته، والثالث أجر التكفير.
ثم قال تعالى: {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يعني: غفور لذنوبكم رحيم بالمؤمنين.
قوله عز وجل: {إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات} يعني: العفائف {الغافلات} يعني: عن الزنى والفواحش.
{المؤمنات} أي المصدقات بالألسن والقلوب، {لُعِنُواْ في الدنيا والآخرة}؛ وأصل اللعنة، هي الطرد والبعد؛ ويقال للشيطان: اللعين، لبعده عن الرحمة.